19 مارس 1962: وقف إطلاق النار للنصر.
أكد وزير المجاهدين وذوي الحقوق, العيد ربيقة, اليوم الخميس, أن الجزائر الجديدة تخطو اليوم خطواتها ب”سكينة وهدوء” من أجل خلق مجتمع كفيل بالاعتماد على نفسه لمواصلة رسالة الانتصار والبناء والتجديد وفاء لعهد الشهداء.
وفي كلمة له خلال ندوة تاريخية إحياء للذكرى ال60 لعيد النصر تحت شعار: “19 مارس 1962.. ثمرة كفاح ونتاج تضحيات”, أوضح السيد ربيقة أن الجزائر الجديدة تخطو اليوم خطواتها “بسكينة وهدوء لتحقيق الغاية المثلى للإرادة الشعبية بتجسيد المعاني السامية للديمقراطية البناءة والفاعلة في خلق مجتمع كفيل بالاعتماد على نفسه لمواصلة رسالة الانتصار والبناء والتجديد وفاء للعهد مع الوطن ولشهداء الجزائر الغالية”.
وقال الوزير بأن “عظمة 19 مارس 1962 متجذرة في وجدان كل جزائرية وجزائري ويبعث فيهم الشعور بالعزة والافتخار بانتصار إرادة أبناء الجزائر في معركة التحرير ثم معركة المفاوضات وسيظل يوم النصر قيمة تاريخية وإنسانية خالدة في تاريخ أمتنا”, معتبرا بأنه “جدير بنا أن نتمعن منجزات هذا اليوم بعد انقضاء 60 سنة, لنرى فضائل هذا النصر على مسيرة الجزائر المستقلة مثلما أرادها شهداء نوفمبر”.
وفي معرض تطرقه إلى مسار مفاوضات إيفيان, أكد ذات بأن قرار الثورة بالجلوس إلى طاولة المفاوضات في حد ذاته “كان أمرا مهما بل, مصيريا بالنسبة للجزائريين مع مستعمر لم يكن لينصاع للتفاوض لولا قوة الثورة وتمرس قادتها وتحكم جيش التحرير الوطني في ترجيح الكفة في الميدان لصالحه…”.
وتابع في هذا الخصوص: “وبعد عدة جولات شاقة وعسيرة أبدى المفاوض الجزائري حنكة سياسية وعبقرية دبلوماسية عالية وأكثر من ذلك إصرارا على ربح معركة المفاوضات التي توجت بوقف إطلاق النار, بعد تحقيق المكاسب التي وضعها بيان أول نوفمبر أهدافا لا حياد عنها مهما تعقدت الظروف, وتشعبت المسالك وهي الدفاع عن وحدة التراب الوطني والأمة الجزائرية والسيادة الوطنية الكاملة”.
وأبرز وزير المجاهدين أن المعركة السياسية “كانت حدا فاصلا بين إرادة أصحاب الحق في العيش الحر الكريم وإرادة وأد الكرامة الإنسانية واستعباد الشعوب فكانت الغلبة للحق الذي لم ولن يغيب عن هذه الأرض المجاهدة”.
حضر هذه الندوة عدد من كبار السؤولين في الدولة إلى جانب جمع من المجاهدين والأساتذة الجامعيين والطلبة, وقد تابع الحضور في البداية شريطا وثائقيا يستذكر مسار اتفاقيات إيفيان والمفاوضات التي أجراها الوفد الجزائري مع المستعمر ليستمع إلى مداخلات علمية استقرأت من جهة المفاوضات الجزائرية الفرنسية ودور سويسرا المحايد للاشراف على هذه المفاوضات ودور الإعلام في التعريف بهوية الثورة الجزائرية وترسيخ الذاكرة الوطنية من جهة اخرى.
وكانت الندوة مناسبة كرمت فيها الوزارة كلا من المجاهدين علي بوغزالة ودحو ولد قابلية ومحمد مقراني عرفانا وتقديرا لما قدموه من أجل استقلال الوطن وكرامة وعزة شعبه.
وقد أبرز هؤلاء المجاهدين دور المفاوض الجزائري الذي لم يكل أو يمل في فرض شروطه على المستعمر من خلال عدم التفريط في شبر من أرض الجزائر والتمسك بالاستقلال التام غير منقوص.
هذا ونظمت وزارة المجاهدين على هامش الندوة معرضا للصور والوثائق ذات الصلة بذكرى يوم النصر كما اطلع المشاركون على مختلف مراحل مفاوضات إيفيان من خلال ما تناولته الصحف الوطنية الصادرة آنذاك.
الذكرى الـ60 لعيد النصر: مسار اتفاقيات ايفيان
الجزائر- حرصت قيادة الثورة الجزائرية على إبقاء باب المحادثات والتفاوض مفتوحا مع الحكومة الفرنسية, تعبيرا عن حسن نيتها رغم اقتناعها المسبق بأن الطرف الفرنسي لن يرضخ بسهولة لمبدأ لتفاوض الجاد, بل سيحاول جرها إلى سلسلة من المحادثات والمفاوضات الوهمية والسرية غير المجدية, الهدف منها لا يعدو أن يكون سوى محاولة جس نبض ومعرفة نقاط ضعف الطرف الجزائري قصد استغلالها وقت الحاجة.
هذا الامر حدث بمدينة “مولان” الفرنسية, حيث اجتمع مبعوثا الحكومة الجزائرية آنذاك, محمد الصديق بن يحي وأحمد بومنجل, اللذان مكثا خمسة أيام (25-29 جوان 1960) بفرنسا لإجراء محادثات مع الحكومة الفرنسية التي أظهرت سوء نية مبيتة وعدم استعدادها للقبول بحل عادل للقضية الجزائرية بعيدا عن إملاء الشروط التعجيزية غير القابلة للتحقيق.
وقد شرح رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة, فرحات عباس, وجهة نظره عقب فشل محادثات “مولان” في نداء وجهه إلى الشعب الجزائري يوم 5 جويلية 1960 وتمكنت الثورة في هذه الأثناء من إفشال مخطط شال الجهنمي وفوتت الفرصة على فرنسا ومشاريعها التي لم يلتفت إليها الشعب الجزائري الذي خرج في مظاهرات حاشدة.
كما صعد جيش التحرير الوطني من عملياته النوعية, بينما ازداد نشاط بعثات جبهة التحرير الوطني على جميع الأصعدة, مما أجبر حكومة فرنسا على العودة إلى طاولة المفاوضات وبمساع سويسرية هذه المرة.
وتجددت اللقاءات بين وفدي الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية والحكومة الفرنسية في “لوسيرن” السويسرية (2 فيفري 1961).
مفاوضات إيفيان الأولى
كان من المرتقب إجراء هذه المفاوضات في 7 افريل 1961, لكنها تأخرت نتيجة وضع فرنسا السياسي المتأزم آنذاك, بالإضافة إلى رفض جبهة التحرير الوطني فكرة إشراك أطراف جديدة في المفاوضات, مما عرض المفاوضات إلى التأجيل إلى غاية يوم 20 ماي من السنة نفسها بمدينة “إيفيان”, حيث التقى الوفد الجزائري (الذي كان على رأسه كريم بلقاسم) بالوفد الفرنسي (وكان على رأسه لوي جوكس). ورغم الجلسات المتكررة ما بين 20 ماي و13 جوان من السنة نفسها, لم يحسم في القضايا الجوهرية, إذ اصطدمت المفاوضات مرة أخرى بإصرار الطرف الفرنسي على مناقشة ملف وقف إطلاق النار بمعزل عن بقية الملفات, والمساس بالوحدة الترابية للجزائر في إطار فصل الصحراء. إلا أن الطرف الجزائري رفض المساومة على المبادئ الأساسية التي أقرها بيان أول نوفمبر 1954, الأمر الذي دفع بجوكس الى تعليق المفاوضات يوم 13 جوان 1961.
محادثات لوغران
استؤنفت المحادثات في “لوغران” السويسرية في الفترة ما بين 20 و 28 جويلية 1961, لكن دون تحقيق أية نتيجة, مما جعل المفاوض الجزائري يبدي امتعاضه ويقرر تعليقها بسبب إصرار الحكومة الفرنسية على التنكر لسيادة الجزائر على صحرائها, ولم تباشر الحكومة الجزائرية الموقتة اتصالاتها إلا بعد أن انتزعت اعترافا صريحا في خطاب الرئيس الفرنسي يوم 05 سبتمبر 1961 ضمنه اعتراف فرنسا بسيادة الجزائر على كامل ترابها بما في ذلك الصحراء.
تجددت اللقاءات التحضرية يومي 28 و 29 أكتوبر, وفي 9, 23 و30 ديسمبر 1961, التقى سعد دحلب بلوي جوكس بمدينة “لي روس” الفرنسية وأبدى نيته واستعداده للدخول في مفاوضات المرحلة النهائية بعد أن تأكد من تحقق المبادئ الأساسية والسيادية خلال مفاوضات “لي روس” (11 و 19 فيفري 1962).
مفاوضات إيفيان الثانية
بعد أن صادق المجلس الوطني للثورة الجزائرية على مسودة “لي روس” أعلنت الحكومة المؤقتة رغبتها في مواصلة المفاوضات رسميا في مدينة “إيفيان” الفرنسية أين التقى الوفد الجزائري الذي كان يضم بين أعضائه كلا من كريم بلقاسم وسعد دحلب بالوفد الفرنسي الذي كان على رأسه لوي جوكس, في جولة أخيرة من المفاوضات, امتدت ما بين 7 إلى 18 مارس 1962 توجت بتوقيع اتفاقيات “إيفيان” والإعلان عن وقت إطلاق النار وإقرار مرحة انتقالية يتبعها إجراء استفتاء تقرير المصير.
لقد خاض الشعب الجزائري كفاحا مريرا لاسترجاع استقلاله وحريته, فتحقق له ذلك, بعد أن قدم الثمن غاليا يتعدى المليون ونصف المليون شهيد, ومئات الآلاف من الأرامل واليتامى ومئات أخرى من المعتقلين والسجناء, إلى جانب تدمير وتخريب مئات القرى والممتلكات الخاصة.
ووفقا لما جاء في نصوص اتفاقيات “ايفيان”, اعتبر يوم 19 مارس 1962, تاريخ و قف إطلاق النار عبر كامل التراب الجزائري, وقد توجه بالمناسبة السيد بن يوسف بن خدة رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية آنذاك بخطاب إلى الشعب الجزائري أكد فيه على أن وقف القتال يعتبر نصرا عظيما للشعب الجزائري.
وفي 2 جويلية, شرع في عملية فرز أصوات الاستفتاء, وعلى إثرها تأكدت حصيلة النتائج المعلن عنها صباح يوم 3 جويلية, وهي أن الأغلبية الساحقة من المصوتين قد عبروا ب”نعم” للاستقلال التام عن فرنسا.
و.أ.ج