غرداية : تحتفل بالذكرى 40 لتصنيفها ضمن لائحة التراث العالمي الإنساني لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة.
تحتفل منطقة سهل وادي ميزاب بغرداية المصنفة ضمن لائحة التراث العالمي الإنساني لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) سنة 1982 هذه السنة (2022) بالذكرى الأربعين لهذا التصنيف.
ويعود تكريس تصنيف هذه المنطقة الثرية بتاريخها وعاداتها الإجتماعية، إلى جهود الأسلاف الذين تمكنوا من مواجهة الظروف المناخية القاسية التي تميز هذه المنطقة القاحلة من خلال استحداث مراكز حضرية متجانسة فريدة من نوعها في هندستها المعمارية.
وأصبح الغنى التراثي والطابع المعماري المميز للمنطقة بمثابة “مدرسة عالمية للهندسة المعمارية” وفضاء يستقطب العديد من الباحثين والسياح.
ويعد تصنيف هذا الفضاء الحضري من قبل منظمة اليونسكو أيضا ثمرة عدة تدابير إعادة التأهيل والترميم التي تقوم بها السلطات العمومية للمحافظة عليه وكذلك لتمسك الساكنة والجهات الفاعلة المحلية بتراثهم المادي، كما صرح لوأج مدير الثقافة و الفنون بالولاية، عبد الجبار بلحسن.
وتمكنت منطقة سهل وادي ميزاب التي تشتهر بقصورها (غرداية ومليكة وبني يزقن والعطف و بونورة) أن تحافظ على طرازها الحضري وأن تصبح محل اهتمام المنظمة الأممية، مثلما ذكر ذات المسؤول.
وأصبح هذا التراث المعماري ومنشآت الري التقليدية والنظام التقليدي لتوزيع المياه الذي يراعي الفضاء الواحاتي، مركز استقطاب المهندسين المعماريين والباحثين الجامعيين وغيرهم من السياح.
ومنذ تصنيف السهل سنة 1982، باشرت السلطات العمومية عدة إجراءات لتدعيم حركية الجاذبية السياحية للمنطقة والمحافظة على تراثها المعماري والثقافي و تثمينه بالإضافة إلى ترقية شروط الوصول إلى الفضاءات التراثية.
وفي هذا الصدد، فقد نفذت نحو مائة من أشغال الترميم وإعادة إحياء التراث المعماري الأصيل وغيرها من المعالم التاريخية القديمة التي تأثرت بفعل عوامل الزمن بالمنطقة، مثلما أوضح من جهته المكلف بالتراث بمديرية الثقافة و الفنون، علواني محمد.
وتمت جميع عمليات ترميم وتأهيل الآثار والمواقع والمساكن المهددة بالإنهيار من قبل السلطات العمومية بقصور وادي ميزاب، بالتعاون الوثيق مع النسيج الجمعوي المتشبث بالتراث المحلي، مثلما جرى شرحه.
واستهدفت تلك الأشغال أزيد من 3.000 سكن قديم وساحة سوق القصور و المعالم الجنائزية وفضاءات العبادة على غرار المحاضر والمساجد، وذلك بغية استدامة هذا التراث الفريد من نوعه.
ويشهد تراث سهل وادي ميزاب بقصوره على حضارة “ذكية” أبدع فيها الأسلاف منذ قرون، كما أشار اليه من جهته الأستاذ أحمد نوح، أحد أعيان الولاية و رئيس مؤسسة “أميدول” المبادرة بمشروع بناء قصر تافيلالت الذي شيد بالقرب من قصر بني يزقن.
وتهدف مؤسسة “أميدول” من خلال تشييد قصر تافيلالت الجديد المتكون من 1.050 سكنا بتعداد يفوق 5.000 نسمة وكما فعله الأسلاف، إلى المحافظة على تاريخ المنطقة من خلال استعمال مواد البناء المحلية والجمع بين الهندسة المعمارية والتنمية المستدامة، مع مراعاة حماية البيئة والعيش معا، كما شرح رئيسها .
لم يخف عدد من المهتمين بالتراث المادي بالمنطقة “تخوفهم” من آثار وتيرة التعمير المتسارعة خلال السنوات الأخيرة والتي تتجلى في البنايات غير القانونية والفوضوية و الإستيلاء على العقار والمساحات الخضراء، سيما ببساتين النخيل الذي زحف عليها الإسمنت فضلا عن تزييف الفضاء الحضري لسهل وادي ميزاب.
وتتطلع السلطات العمومية إلى إعطاء نفس جديد لمنطقة غرداية التي تضررت بشكل كبير من أزمة السياحة العالمية على غرار مناطق أخرى، من خلال الحفاظ على تراثها المعماري و تثمينه.
وفي هذا الصدد، أعلن مسؤولو قطاع الثقافة والفنون عن تنفيذ نظام المعلومات الجغرافية قريبا لجرد و رقمنة الرصيد الحضاري لهذه المنطقة وتراثها الذي يعد متميزا و استثنائيا وأيضا في نفس الوقت توحيد الجهود من أجل الحفاظ على تراث الأجداد و تثمينه الذي يعد محركا للتنمية المستدامة بغرداية.
ويسمح النظام المعلوماتي بحصر جميع المعطيات حول مختلف الجوانب الموضوعاتية لسهل وادي ميزاب بهدف ضمان تحكم في تطور فضاءه العمراني ورصد جميع الصعوبات بالقطاع المحمي.
ويرى عدة جامعيين أن المنطقة تزخر بمواقع أثرية مهددة بالتوسع الحضري المتسارع والفوضوي وانعدام جرد دقيق لهذا الكنز الثقافي غير المتجدد، مع الإلحاح على تثمين التراث ومكافحة تهريب الممتلكات الثقافية.
ويدعو هؤلاء الأكاديميين من جهة أخرى إلى استكمال مخطط المحافظة على القطاع “المحمي” بسهل وادي ميزاب (غرداية) الجاري إعداده من أجل تمكين السلطات العمومية من إطلاق برامج تنموية طبقا للقانون 04/98 الصادر في 15 يوليو 1998 حول التراث، وتسليط الضوء على القيمة العالمية للتراث الثقافي للمنطقة.
و.ا.ج