ثقافة

في أحدث رواياته بعنوان “شوينغوم” ، يشرع الروائي أمين الزاوي قرائه في عالم من العذاب النفسي والتوترات الفكرية التي تؤدي إلى الهلاك في مسائل وجودية لا حصر لها.

يزج الأديب أمين الزاوي من خلال روايته الجديدة “شوينغوم” بالقارئ في بحر الصراعات النفسية والفكرية التي يواجهها الإنسان عبر مختلف مراحل حياته، ويتركه كالغريق في محيط التساؤلات الوجودية التي لا حدود لها.

تنطلق القصة من سنة 1942 أثناء الحرب العالمية الثانية، وتتواصل إلى غاية الوقت الحالي حاملة من خلال شخصياتها وأحداثها التغيرات والتحولات التي عرفها المجتمع الجزائري على عديد الأصعدة لاسيما السياسية والثقافية والدينية منها، وما نتج عنها من ظواهر وسلوكات جديدة لم تكن في الحسبان ولم تكن في توقعات وطموحات النخبة المثقفة.

وكأن القصة أرجوحة تأخذ بالقارئ إلى الماضي وتأتي به إلى الحاضر في جو يخيم فيه، في آن واحد، الألم والخوف والتحسر والشعور بالذنب وحتى الحب، بما يرويه وما يعيشه هامان بن زياد،الصحفي الشاعر ذو الشخصية الغامضة المعقدة الذي يواجه صراع داخلي يراوده منذ سنوات المراهقة.

هامان بن زياد، الشخصية الرئيسية، يعيش آلام وجروح داخلية عميقة تختفي لفترة وتظهر فجأة لتعيده في أوحال الندم وخيبة الأمل وتنمي فيه رغبة الإنتقام وتحييها إلى حد الرغبة في القتل…كل كلامه وحركاته توحي بأنه شخصية معقدة ذو نفسية مذبذبة يسكنها هاجس “المستقبل الخائن”.

نص الرواية هو مد و جزر بين الماضي والحاضر وآفاق ذاك المستقبل المخيف من خلال مسرحية “هيت لك” المقتبسة من قصة النبي يوسف عليه السلام، التي تؤدي فيه مسيكة بنت الرومية زوجته، دور زليخة امرأة العزيز، والتي يحضر عروضها يوميا منذ العرض الشرفي الأول.

وخلال حضوره لعرض المسرحية، يستحضر هامان واقعه المعاش وحياته الشخصية وعلاقاته العائلية منذ طفولته خاصة مع أخيه الأكبر عبد المومن وأمه وأبيه “المهزوم” وخالته صفية عمران، الجميلة الفاتنة، التي خلفت فيه صدمة بقيت تتبعه في كل لحظة من حياته بعدما أن ذبحت تحت انظاره ديكها المفضل بكل برودة دم، وجعلته يتساءل من الحين والآخر: “ديك خالتي صفية عمران النواري ينتفض في دمه أم في رأسي؟”.

شخصية هامان تثير الإهتمام مما تحمله من غموض وتجعل القارئ يتساءل ماذا يراوض من أفكار في ذهن هذا الإنسان المصدوم الذي يكتسي نفسيته نوع من الحقد والرغبة في الثأر، والذي بداخله جراح لا تشفى تلاحقه ليلا ونهارا…إنه يتألم بصمت ويريد، كما يقول، أن يعوض عن هزيمة لحقت به منذ سنوات المراهقة ولا زالت تجرح داخله بآلة حادة، لا تحفى ولا تصدأ، تدمي الروح قبل الجسد.

هامان الذي كان له أخ توأم مات أو، كما يعتقد، قتله في السن السادسة من عمره دون البوح بالسبب الحقيقي، يحاول الهروب من جراحه لكن رغبة الإنتقام تلاحقه أين ما حل، ويشعر بالندم والحصرة على وقت مضى وعلى أحلام لم تتحقق وعلى آمال تبخرت في هواء النسيان والأنانية والإطماع المادية، لكن يحاول فرض وجوده رغم كل الأحوال.

عنوان الرواية الصادرة عن منشورات “ضفاف” اللبنانية و”الاختلاف” الجزائرية، يثير كثير من الفضول، ويدفع بالقارئ إلى التساؤل هل أراد الكاتب من خلاله الإشارة إلى أن الحياة كالعلكة تمضغ دون ملل حتى وإن فقدت طعهما ونكهتها وحلاوتها…

و ا ج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق